فصل: شهر صفر 1218:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.شهر صفر 1218:

استهل بيوم الأحد في ثانيه حضر الأمراء القبالي الى الشيخ الشيمي.
وفي ليلة الأربعاء رابعه، خنقوا أحمد كتخدا علي باش اختيار الانكشارية ومصطفى كتخدا الرزاز العزب وكانا محبوسين بالقلعة وضربوا وقت خنقهما مدفعين في الساعة الثالثة من الليل ورموهما الى الخارج.
وفي صبحها يوم الأربعاء، حضر جواب من العسكر الذين ذهبوا لمحاربة محمد باشا مضمونه أنه انتقل من مكانه وذهب الى جهة دمياط وأنه تخلف عنه من العسكر الذين معه وأرسلوا يطلبون منهم الأمان، فلم يجاوبوهم حتى يستأذنوا في ذلك فأجابهم طاهر باشا بأن يعطوهم أماناً ويضموهم إليهم.
وفي ذلك اليوم، أشيع أن طاهر باشا قاصد التعدية الى البر الغربي ليسلم على الأمراء المصرلية في ذلك الوقت أمر بإحضار حسن آغا محرم فارتاع من ذلك وأيقن بالموت، فلما حضر بين يديه خلع عليه فروة وجعله معمارجي باشا وأعطاه ألفي فرانسه وأمره أن يتقيد بتعمير القلعة وما صدق أن خرج من بين يديه وسكن روعه في ذلك الوقت حضر إليه طائفة من الانكشارية وهم الذين كانوا حضروا في أول المحرم في النقاير مع الجبخانة ليتوجهوا الى الديار الحجازية وأنزلوهم بجامع الظاهر خارج الحسينية وحصلت كائنة محمد باشا وهم مقيمون على ما هم عليه، ولما خرج محمد باشا وظهر عليه طائفة الأرنؤد شمخوا على الانكشارية وصاروا ينظرون إليهم بعين الاحتقار مع تكبر الانكشارية ونظرهم في أنفسهم أنهم فخذ السلطنة وأن الأرنؤد خدمهم وعسكرهم وأتباعهم، ولما فرد الفرد طاهر باشا وصادر الناس صار يدفع الى طائفة الأرنؤد جماكيهم المنكسرة أو يحولهم بأوراق على المصادرين وكلما طلب الانكشارية شيئاً من جماكيهم قال لهم ليس لكم عندي شيء ولا أعطيكم إلا من وقت ولايتي فإن كان لكم شيء فاذهبوا وخذوه من محمد باشا فضاق خناقهم وأوعز صدورهم وبيتوا أمرهم مع أحمد باشا والي المدينة، فلما كان في هذا اليوم ركب الجماعة المذكورون من جامع الظاهر وهم نحو المائتين وخمسين نفراً بعددهم وأسلحتهم كما هي عادتهم وخلفهم كبراؤهم، وهم إسمعيل آغا ومعه آخر يقال له موسى آغا وآخر فذهبوا على طاهر باشا وسألوه في جماكيهم فقال لهم ليس لكم عندي إلا من وقت ولايتي وإن كان لكم شيء مكسور فهو مطلوب لكم من باشتكم محمد باشا، فألحوا عليه فنتر فيهم فعاجلوه بالحسام وضربه أحدهم فطير رأسه ورماها من الشباك الى الحوش وسحبت طوائفهم الأسلحة وهاجوا في أتباعه فقتل منهم جماعة واشتعلت النار في الأسلحة والبارود الذي في أماكن أتباعه فوقع الحريق والنهب في الدار ووقع في الناس كرشات وخرجت العساكر الانكشارية وبأيديهم السيوف المسلولة ومعهم ما خطفوه من النهب فانزعجت الناس وأغلقوا الأسواق والدكاكين وهربوا الى الدور وأغلقوا الأبواب وهم لا يعلمون ما الخبر وبعد ساعة شاع الخبر وشق الوالي والآغا ينادون بالأمن والأمان حسب ما رسم أحمد باشا وكرروا المناداة بذلك، ثم نادوا باجتماع الانكشارية البلدية وخلافهم عند أحمد باشا على طائفة الأرنؤد وقتلهم وأخرجهم من المدينة فتحزبوا أحزاباً ومشوا طوائف طوائف وتجمع الأرنؤد جهة الأزبكية وفي بيوتهم الساكنين فيها وصار الانكشارية إذا ظفروا بأحد من الأرنؤد أخذوا سلاحه وربما قتلوه وكذلك الأرنؤد يفعلون معهم مثل ذلك هذا والنهب والحريق عمال في بيت طاهر باشا وفرج الله عن المعتقلين والمحبوسين على المغارم والمصادرات وبقيت جثة طاهر باشا مرمية، لم يلتفت إليها أحد ولم يجسر أحد من أتباعه على الدخول الى البيت وإخراجها ودفنها وزالت دولته انقضت سلطنته في لحظة فكانت مدة غلبته ستة وعشرين يوماً ولو طال عمره زيادة على ذلك لأهلك الحرث والنسل وكان صفته أسمر اللون نحيف البدن أسود اللحية قليل الكلام بالتركي فضلاً عن العربي ويغلب عليه لغة الأرنؤدية وفيه هوس وانسلاب وميل للمسلوبين والمجاذيب والدراويش وعمل له خلوة بالشيخونية، وكان يبيت فيها كثيراً ويصعد مع الشيخ عبد الله الكردي الى السطح في الليل ويذكر معه، ثم سكن هناك بحريمه، وقد كان تزوج بامرأة من نساء الأمراء، وكان يجتمع عنده أشكال مختلفة الصور فيذكر معهم، ولما رأوا منه ذلك خرج الكثير من الأوباش وتزيا بما سولت له نفسه وشيطانه ولبس له طرطوراً طويلاً ومرقعة ودلفاً وعلق له جلاجل وبهرجان وعصا مصبوغة وفيها شخاشيخ وشراريب وطبلة يدق عليها ويصرخ ويزعق ويتكلم بكلمات مستهجنة وألفاظ موهمة بأنه من أرباب الأحوال، ونحو ذلك ولما قتل أقام مرمياً الى ثاني يوم لم يدفن، ثم دفنوه من غير رأس بقبة عند بركة الفيل وأخذ بعض الينكجرية رأسه وذهبوا بها ليوصلوها الى محمد باشا يأخذوا منه البقشيش فلحقهم جماعة من الأرنؤد فقتلوهم وأخذوا الرأس منهم ورجعوا بها ودفنوها مع جثته وكتب أحمد باشا مكتوباً الى محمد باشا يعلمه بصورة الواقعة ويستعجله للحضور وكذلك المحروقي وسعيد آغا أرسل كل واحد مكتوباً بمعنى ذلك وظنوا تمام المنصف، ولما نهبوا بيته نهبوا ما جاوره من دور الناس من الحبانية الى ضلع السمكة الى درب الجماميز، ثم ان أحمد باشا أحضر المشايخ وأعلمهم بما وقع وأمرهم بالذهاب الى محمد علي ويخاطبوه بأن يذعن الى الطاعة، فلما ذهبوا إليه وخاطبوه في ذلك أجاب بأن أحمد باشا لم يكن والياً على مصر بل إنما هو والي المدينة المنورية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام وليس له علاقة بمصر وأنا كنت الذي وليت طاهر باشا لكونه محافظ الديار المصرية من طرف الدولة وله شبهة في الجملة وأما أحمد باشا فليس له جرة ولا شبهة فهو يخرج خارج البلدويأخذ معه الانكشارية ونجهزه ويسافر الى ولايته فقاموا من عنده على ذلك واستمر الانكشارية على ما هم عليه من النهب وتتبع الأرنؤد وتحزبوا وتسلحوا وعملوا متاريس على جهاتهم ونواحيهم الى آخر النهار فنادوا على الناس بالسهر والتحفظ والدكاكين تفتح والقناديل تعلق وبات الناس على تخوف ولما أصبح نهار الخميس مر الوالي والآغا ينادون بالأمان برسم حكم أحمد باشا، ثم أن أحمد باشا أرسل أوراقاً الى المشايخ بالحضور فذهبوا إليه فقال لهم أريد منكم أن تجمعوا الناس والرعية وتأمروهم بالخروج على الأرنؤد وقتلهم فقالوا سمعاً وطاعة وأخذوا في القيام، فقال لهم لا تذهبوا وكونوا عندي وأرسلوا للناس كما أمرتكم فقالوا له إن عادتنا أن يكون جلوسنا في المهمات بالجامع الأزهر ونجتمع به ونرسل الى الرعية فإنهم عند ذلك لا يخالفون وكان مصطفى آغا الوكيل حاضراً فراددهم في ذلك وعرف منهم الانفكاك فلم يزالوا حتى تخلصوا وخرجوا، وكان أحمد باشا أرسل أحضر الدفتردار ويوسف كتخدا الباشا وعبد الله أفندي رامز الروزنامجي وغالب أكابر العثمانية ومصطفى آغا الوكيل كان مرهوناً عند شيخ السادات، كما تقدم فعندما سمع بقتل طاهر باشا ركب بجماعته وأبهته وأخذ معه عدة من الانكشارية وذهب الى عند أحمد باشا ووقف بين يديه يعاضده ويقويه وأما محمد علي والأرنؤد فإنهم مالكون القلعة الكبيرة ويجمعون أمرهم ويراسلون الأمراء، فلما أصبح ذلك اليوم عدى الكثير من المماليك والكشاف الى بر مصر ومروا في الأسواق وعدى أيضاً محمد علي وقابلهم في بر الجيزة ورجع وعدى الكثير منهم من ناحية انبابة ومعهم عربان كثيرة وساروا الى جهة خارج باب النصر وباب الفتوح وأقاموا هناك وأرسل ابراهيم بك ورقة الى أحمد باشا يقول فيها إنه بلغنا موت المرحوم طاهر باشا عليه الرحمة والرضوان فأنتم تكونون مع أتباعكم الأرنؤد حالاً واحداً ولا تتداخلوا مع الانكشارية، فلما كان ضحوة النهار ذهب جماعة من الانكشارية الى جهة الرميلة فضربوا عليهم من القلعة مدافع فولوا وذهبوا ثم بعد حصة ضربوا أيضاً عدة مدافع متراسلة على جهة بيت أحمد باشا وكان ساكناً في بيت علي بك الكبير بالداودية، فعند ذلك أخذ أمره في الانحلال وتفرق عنه غالب الانكشارية البلدية ووافق أن المشايخ لما خرجوا من عنده وركبوا لم يزالوا سائرين الى أن وصلوا جامع الغورية فنزلوا به وجلسوا وهم في حيرة متفكرين فيما يصنعون فعندما سمعوا صوت المدافع قاموا وتفرقوا وذهبوا الى بيوتهم، ثم أن ابراهيم بك أرسل ورقة الى أحمد باشا قبيل العصر يأمره فيها بتسليم الذين قتلوا طاهر باشا ويخرج الى خارج البلد ومعه مهلة الى حادي عشر ساعة من النهار ولا يقيم الى الليل وإن خالف، فلا يلومن إلا نفسه، فلما رأى حال نفسه مضمحلاً لم يجد بداً من الامتثال إلا أنه يجد جمالاً يحمل عليها أثقاله فقال للرسول سلم عليه وقل له يرسل لي جمالاً وأنا أخرج وأما تسليم القاتلين، فلا يمكن فقال له أما بحضور الجمال فغير متيسر في هذا الوقت لبعد المسافة فقال له وكيف يكون العمل فقال يركب حضرتكم ويخرج ووقت ما حضرت الجمال الليلة أو غداً حملت الأثقال ولحقتكم خارج البلد فعند ذلك قام وركب وقت العصر وتفرق من كان معه من أعيان العثمانية مثل الدفتردار وكتخدا بك والروزنامجي وذهبوا الى محمد علي والتجؤوا إليه فأظهر لهم البشر والقبول وخرج أحمد باشا في حالة شنيعة وأتباعه مشاة بين يديه وهم يعدون في مشيهم وعلى أكتافهم وسائد وأمتعة خفيفة فعندما خرج من البيت دخل الأرنؤد ونهبوا جميع ما فيه، ولم يزل سائراً حتى خرج من المدينة من باب الفتوح فوجد العسكر والعربان وبعض كشاف ومماليك مصرية محدقة بالطرق فدخل مع الانكشارية الى قلعة الظاهر وأغلقوها عليهم وخرج خلفهم عدة وافرة من الأرنؤد والكشاف المصرلية والعرف والغز وأحاطوا بهم وأقاموا على ذلك تلك الليلة وبعد العشاء مر الوالي وأمامه المناداة بالأمان حسب ما رسم ابراهيم بك حاكم الولاية وأفندينا محمد علي فكانت مدة الولاية لأحمد باشا يوماً وليلة لا غير وفي ذل اليوم نهبوا بيت يوسف كتخدا بك وأخرجوا منه أشياء كثيرة أخذ ذلك جميعه الأرنؤد وأصبح يوم الجمعة فركب المشايخ والأعيان وعدوا الى بر الجيزة وسلموا على ابراهيم بك والأمراء. ة وافرة من الأرنؤد والكشاف المصرلية والعرف والغز وأحاطوا بهم وأقاموا على ذلك تلك الليلة وبعد العشاء مر الوالي وأمامه المناداة بالأمان حسب ما رسم ابراهيم بك حاكم الولاية وأفندينا محمد علي فكانت مدة الولاية لأحمد باشا يوماً وليلة لا غير وفي ذل اليوم نهبوا بيت يوسف كتخدا بك وأخرجوا منه أشياء كثيرة أخذ ذلك جميعه الأرنؤد وأصبح يوم الجمعة فركب المشايخ والأعيان وعدوا الى بر الجيزة وسلموا على ابراهيم بك والأمراء.
وفيه استأذن الدفتردار وكتخدا بك محمد علي في الإقامة عنده أو الذهاب فأذن لهما بالتوجه الى بيوتهما فركبا قبيل الظهر وسارا الى بيت الدفتردار وهو بيت البارودي فدخل كتخدا بك مع الدفتردار لعلمه بنهب بيته فنزلا وجلسا مقدار ساعة وإذا بجماعة من كبار الأرنؤد ومعهم عدة من العسكر وصلوا إليهما وعند دخولهم طلبوا المشاعلي من بيت علي آغا الشعراوي وهو تجاه بيت البارودي، فلم يجدوه فذهب معهم رفيق له وليس معه سلاح فدخلوا الدار وأغلقوا الباب، وعلم أهل الخطة مرادهم فاجتمع الكثير من الأوباش والجعيدية والعسكر خارج الدار يريدون النهب ولما دخلوا عليهما قبضوا أولاً على الدفتردار وشلحوه من ثيابه وهو يقول عيبتر وأصابه بعضهم بضربة على يده اليمنى وأخرجوه الى فسحة المكان وقطعوا رأسه بعد ضربات وهو يصيح مع كل ضربة لكون المشاعلي لا يحسن الضرب، ولم يكن معه سلاح بل ضربه بسلاح بعض العسكر الحاضرين، ثم فعلوا ذلك بيوسف كتخدا بك وهو ساكت لم يتكلم وأخذوا الرأسين وتركوهما مرميين وخرجوا بعدما نهبوا ما وجدوه من الثياب والأمتعة بالمكان وكذلك ثياب أتباعهم وخرج أتباعهم في أسوأ حال يطلبون النجاح بأرواحهم ومنهم من هرب وطلع الى حريم البارودي الساكنات في البيت وصرخ النساء وانزعجن وكانت الست نفيسة المرادية في ذلك المنزل أيضاً في تلك الأيام، فعندما رأت وصول الجماعة أرسلت الى سليم كاشف المحرمجي فحضر في ذلك الوقت فكلمته في أن يتلافى الأمر فوجده قد تم، فخرج بعد خروجهم بالرأسين فظن الناس أنها فعلته ثم حضر محمد علي في إثر ذلك وطرد الناس المجتمعين للنهب وختم على المكان وركب الى داره، ثم أن علي آغا الشعراوي استأذن محمد علي في دفنهما فأذن له فأعطى شخصاً ستمائة نصف فضة لتجهيزهما وتكفينهما فأخذها وأعطى منها الآخر مائتين نصف لا غير فأخذها وذهب فوضعهما في تابوت واحد من غير رؤوس وكانوا ذهبوا برؤوسهما الى الأمراء بالجيزة ولم يردوهما، ولم يدفنا معهما، ثم رفعهما بالتابوت الى ميضاة جامع السلطان شاه المجاور للمكان وهو مكان قذر فغسلهما وكفنهما في كفن حقير ودفنهما في حفرة تحت حائط بتربة الأزبكية من غير رؤوس، فهذا ما كان من أمرهما وأما الذين في قلعة الظاهر فإنهم انحصروا وأحاط بهم الأرنؤد والغز والعربان وليس عندهم ما يأكلون ولا ما يشربون فصاروا يرمون عليهم من السور القرابين والبارود وهم كذلك يرمون عليهم من أسفل وجمعوا أتربة وعملوها كيماناً عالية وصاروا يرمون عليهم منها كذلك بقية نهار الجمعة وليلة السبت اشتد الحرب بينهم بطول الليل وفي الصباح أنزلوا من القلعة مدافع كباراً وبنبة وجبخانة وأصعدوها على التلول وضربوا عليهم من قبيل العصر فعند ذلك طلبوا الأمان وفتحوا باب القلعة وخرج أحمد باشا وصحبته شخصان وهما اللذان قتلا طاهر باشا فأخذوهم وعدوا بهم الى الجيزة وبطل الحرب والرمي وبقي طائفة الانكشارية دال القلعة وحولهم العساكر، فلما ذهبوا بهم الى الجيزة أرسلوا أحمد باشا الى قصر العيني وأبقوا الإثنين، وهم إسمعيل آغا وموسى آغا بالقصر الذي بالجيزة ونودي بالأمان للرعية حسب ما رسم ابراهيم بك وعثمان بك البرديسي ومحمد علي.
وفي يوم السبت حضر أحمد بك أخو محمد علي الى جهة خان الخليلي لإجراء التفتيش على منهوبات الأرنؤد التي نهبها الانكشارية وأودعوها عند أصحابهم الأتراك ففتحوا عدة حوانيت وقهاوي وأماكن وأخذوا ما فيها وأجلسوا طوائف من عسكر الأرنؤد على الخانات والوكائل والأماكن وشلحوا ناساً كثيرة من ثيابهم وربما قتلوا من عصي عليهم فتخوف أهل خان الخليلي، ومن جاورهم واستمر الأرنؤد كلما مرت منهم طائفة ووجدوا شخصاً في أي جهة قبة شبه ما بالأتراك قبضوا عليه وأخذوا ثيابه وخصوصاً إن وجدوا شيئاً معه من السلاح أو سكيناً فتوقى أكثر الناس وانكفوا عن المرور في أسواق المدينة فضلاً عن الجهات البرانية.
وفيه كثر مرور الغز والكشاف المصرلية وترددوا الى المدينة وعلى أكتافهم البنادق والقرابين وخلفهم المماليك والعربان فيذهبون الى بيوتهم ويبيتون بها ويدخلون الحمامات ويغيرون ثيابهم ويعودون الى بر الجيزة وبعضهم أمامه المناداة بالأمان عند مروره بوسط المدينة.
وفيه كتبت أوراق بطلب دراهم فردة على البلاد الموفية والغربية كل بلد ألف ريال وذلك خلاف مضايف العرب وكلفهم.
وفي يوم الإثنين قتلوا شخصاً بباب الخرق يقال إنه كان من أكبر المتحزبين على الأرنؤد وجمع منهوبات كثيرة.
وفيه أيضاً قتلوا إسمعيل آغا وموسى آغا وهما اللذان كان قتلا طاهر باشا وتقدم أنهم كانوا أخذوهما بالأمان صحبة أحمد باشا فأرسلوا أحمد باشا الى قصر العيني وبقي الإثنان بقصر الجيزة فأخذوهما وعدوا بهما الى البر الآخر وقطعوا رأسيهما عند الناصرية وأخذوا الرأسين وذهبوا بهما الى زوجة طاهر باشا بالشيخونية ثم طلعوهما الى أخي طاهر باشا بالقلعة.
وفيه، تقلد سليم آغا أغات مستحفظان سابقاً الأغاوية كما كان وركب وشق المدينة بأعوانه وأمامه جماعة من العسكر الأرنؤد وليسوا أيضاً حسين آغا أمين خزنة مراد بك وقلدوه والي الشرطة ولبسوا محمداً المعروف بالبرديسي كتخدا قائد آغا وجعلوه محتسباً وشق كل منهم بالمدينة وأمامهم المناداة بالأمن والأمان والبيع والشراء.
وفيه، أخرجوا الانكشارية الذين بقلعة الظاهر وسفروهم الى جهة الصالحية وصحبتهم كاشفان وطائفة من العرب بعدما أخذوا سلاحهم ومتاعهم بل وشلحوهم ثيابهم والذي بقي لهم بعد ذلك أخذته العرب وذهبوا في أسوأ حال وأنحس بال وهم نحو الخمسمائة إنسان ومنهم من التجأ الى بعض المماليك والغز فستر عليه وغير هيئته وجعله من أتباعه وكذلك الانكشارية الذين كانوا مخفيين التجأوا الى المماليك وانتموا إليهم وخدموهم فسبحان مقلب الأحوال وحضر سليم كاشف المحرمجي وسكن بقلعة الظاهر وكتب الى إقليم القليوبية أوراقاً وقرر على كل بلد ألف ريال ومن كل صنف من الأصناف سبعين مثل سبعين خروف وسبعين رطل سمن وسبعين رطل بن وسبعين فرخة وهكذا وحق طريق المعين لقبض ذلك خمسة وعشرون ألف فضة من كل بلد.
وفي يوم الأربعاء حادي عشره، حضر محمد عليوعبد الله أفندي رامز الروزنامجي ورضوان كتخدا ابراهيم بك الى بيت الدفتردار المقتول وضبطوا تركته فوجد عنده نقود ثلثمائة كيس وقيمة عروض وجواهر وغيرها نحو ألف كيس.
وفيه، أرسل ابراهيم بك فجمع الأعيان والوجاقلية وأبرز لهم فرمانات وجدوها عند الدفتردار المقتول مضمونها تقريرات مظالم منها أن المماليك المصرلية كانوا أحدثوا على الغلال التي تباع الى بحربرا علن كل أردب محبوب فيقرر ذلك بحيث يتحصل من ذلك للخزينة العامة عشرة آلاف كيس في السنة فإن نقصت عن ذلك القدر أضر ذلك بالخزينة ومنها تقرير المليون الذي كان قرره الفرنسيس على أهالي مصر في آخر مدتهم ويوزع ذلك على الرؤوس والدور والعقار والأملاك ومنها أن الحلوان عن المحلول ثلاث سنوات ومنها أنه يحسب المضاف والبراني الى ميري البلاد وغير ذلك.
وفي يوم الخميس ثاني عشره، عمل عثمان بك البرديسي عزومة بقصر العيني وحضر ابراهيم بك والأمراء ومحمد علي ورفقاؤه وبعد انقضاء العزومة ألبسوا محمد علي ورفقاءه خلعاً وقدموا لهم تقادم.
وفي يوم الجمعة، كذلك عملوا عزومة لابن أخي طاهر باشا المقيم بالقلعة وصحبته عابدي بك ورفقاؤهم بقصر العيني وخلعوا عليهم وقدموا لهم تقادم أيضاً.
وفي يوم الأحد خامس عشره، نزل ابن أخي طاهر باشا من القلعة ومن معه من أكابر الأرنؤد وأعيانهم وعساكرهم بعزالهم ومتاعهم وما جمعوه من المنهوبات وهو شيء كثير جداً وسلموا القلعة الى الأمراء المصرلية وطلع أحمد بك الكلارجي الى باب الانكشارية وأقام به وعبد الرحمن بك ابراهيم الى باب العزب وسليم آغا مستحفظان الى القصر فعند ذلك اطمأن الناس بنزولهم من القلعة فإنهم كانوا على تخوف من إقامتهم بها وكثر فيهم اللغط بسبب ذلك فلم يزل الأمراء يدبرون أمرهم حتى أنزلوهم منها وبقي بها طائفة من الأرنؤد وعليهم كبير يقال له حسين قبطان.
وفيه، ورد الخبر أن محمد باشا لما قربت منه العساكر التي كان أرسلها له طاهر باشا ارتحل الى دمياط كما تقدم.
وفي يوم الإثنين، وردت مكاتبات من الديار الحجازية مؤرخة في منتصف محرم وفيها الإخبار باستيلاء الوهابيين على مكة في يوم عاشوراء وأن الشريف غالب أحرق داره وارتحل الى جدة وأن الحجاج أقاموا بمكة ثمانية أيام زيادة عن المعتاد بسبب الارتباك قبل حصول الوهابيين بمكة ومراعاة للشريف حتى نقل متاعه الى جدة ثم ارتحل الحجاج وخرجوا من مكة طالبين زيارة المدينة فدخل الوهابيون بعد ارتحال الحج بيومين.
وفي يوم الأربعاء ثامن عشره، أخرجوا باقي الانكشارية والدلاة والسجمان وكانوا مجتمعين بمصر القديمة فتضرر منهم المارة وأهل تلك الجهة بسبب قبائحهم وخطفهم أمتعة الناس بل وقتلهم وكان تجمعهم على أن يذهبوا الى جهة الصعيد ويلتفون على حسن باشا بجرجا وينضمون إليه والى من بناحية الصعيد من أجناسهم فذهب منهم من أخبر الأمراء المصرلية بذلك فضبطوا عليهم الطرق واتفق أن جماعة منهم وقفوا لبعض الفلاحين المارين بالبطيخ والخضار فحجزوهم وطلبوا منهم دارهم فمر بهم بعض مماليك من أتباع البرديسي فاستجار بهم الفلاحون فكلموهم فتشاحنوا معهم وسحبوا على بعضهم السلاح فقتل مملوك منهم فذهبوا الى سيدهم وأعلموه فأرسل الى ابراهيم بك فركب الى العرضي ناحية بولاق التكرور وترك مكانه بقصر الجيزة محمد بك بشتك وكيل الألفي وشركوا عليهم الطرق وأمروهم بالركوب والخروج من مصر الى جهة الشام واللحوق بجماعتهم فركبوا من هناك ومروا على ناحية الجبل من خلف القلعة الى جهة العادلية وأمامهم وخلفهم بعض الأمراء المصرلية ومعهم مدفعان وهم نحو ألف وخمسمائة وأزيد، فلما خرجوا وتوسطوا البرية عروا الكثير منهم ومن المتخلفين والمتأخرين عنهم وأخذوا أسلحتهم وقتلوا كثيراً منهم ورجع المماليك ومعهم الكثير من بنادقهم وسلاحهم يحملونه معهم ومع خدامهم فلما رجع المماليك بهذه الصورة ووقف العسكر الأرنؤدية على أبواب المدينة انزعج الناس كعادتهم في كرشاتهم وأغلقوا الدكاكين وعين للسفر معهم حسين كاشف الألفي يذهب معهم الى القنطرة ونودي في عصريته بالأمان وخروج من تخلف من الانكشارية وكل من وجد منهم بعد ثلاثة أيام فدمه وماله هدر.
وفي يوم الخميس، مر الوالي والمناداة أمامه على الأتراك والانكشارية والبشناق والسجمان بالخروج من مصر والتحذير لمن آواهم أو ثاواهم وكلما صادف في طريقه شخصاً من الأتراك قبض عليه وسأله عن تخلفه فيقول إنا من المتسببين والمتأهلين من زمان بمصر فيطلب منه بينة على ذلك ويسلمه عسكر الأرنؤد فيودعونه في مكان مع أمثاله حتى يتحققوا أمره.
وفيه، مر بعض المماليك بجهة الميدان ناحية باب الشعرية فصادفوا جماعة من العسكر المذكورين يحملون متاعاً لهم فاشتكوا بهم وأرادوا أخذ سلاحهم ومتاعهم فمانعوهم وتضاربوا معهم فقتل بينهم شخصان من الانكشارية وشخصان من المماليك أحدهما فرنساوي.
وفيه، حضر أيضاً ثلاثة من المماليك الى وكالة الصاغة الى رجل رومي ططري وسألوه عن جواري سود عنده لمحمد باشا وأنهم يطلبونهن لعثمان بك البرديسي فأنكر ذلك وشهد جيرانه أنهن ملكه واشتراهن ليتجر فيهن فلم يزالوا حتى أخذوا منه ثلاثة على سوم الشراء، وذهب معهن فلما بعدوا عن الجهة فزعوا عليه وطردوه وذهبوا بالجواري فذهب ذلك الططري الى محمد علي فأرسل الى البرديسي ورقة بطلب الجواري أو ثمنهن ففحص عنهن حتى ردهن الى صاحبهن.
وفيه حضر أيضاً جماعة من المماليك الى بيت عثمان أفندي بجوار ضريح الشيخ الشعراني وهو من كتبة ديوان محمد باشا فأخذوا خيله وسلاحه ومتاعه التي بأسفل الدار.
وفي يوم الجمعة، نهبوا دار أحمد أفندي الذي كان شهر حوالة وكاشف الشرقية في العام الماضي فأخذوا جميع ما عنده حتى ثيابه التي على بدنه وقتلوا خادمه على باب داره قتله الوالي زاعماً أنه هو الذي دل عليه.
وفي يوم السبت، مر سليم آغا وأمامه المناداة على الأغراب الشوام والحلبية والرومية يجتمعون بالجمالية يوم تاريخه فلم يجتمع منهم أحدز وفي يوم الأحد، حضر الشريف عبد الله ابن سرور وصحبته بعض أقاربه من شرفاء مكة وأتباعهم نحو ستين نفراً وأخبروا أنهم خرجوا من مكة مع الحجاج وأن عبد العزيز بن مسعود الوهابي دخل الى مكة من غير حرب وولى الشريف عبد المعين أميراً على مكة والشيخ عقلياً قاضياً وأنه هدم قبة زمزم والقباب التي حول الكعبة والأبنية التي أعلى من الكعبة وذلك بعد أن عقد مجلساً بالحرم وباحثهم على ما الناس عليهم من البدع والمحرمات المخالفة للكتاب والسنة وأخبروا أن الشريف غالباً وشريف باشا ذهبا الى جدة وتحصنا بها وأنهم فارقوا الحجاج في الجديدة.
وفيه، كتبوا عرضحالين أحدهما بصورة ما وقع لمحمد باشا مع العساكر ثم قيام الانكشارية وقتلهم لطاهر باشا ثم كرة الأرنؤد على الانكشارية لما أثاروا الفتنة مع أحمد باشا حتى اختلت أحوال المدينة وكاد يعمها الخراب لولا قرب الأمراء المصرلية وحضورهم فسكنوا الفتنة وكفوا أيدي المتعدين والثاني يتضمن رفع الإحداثات التي في ضمن الأوامر التي كانت مع الدفتردار التي تقدمت الإشارة إليها.
وفيه عزم الأمراء على التوجه الى جهة بحري فقصد البرديسي وصحبته محمد بك تابع محمد بك المنفوخ جهة دمياط ومعهم محمد علي وعلي بك أيوب وغيرهم وصحبتهم الجم الكثير من العساكر والعربان ولم يتخلف إلا ابراهيم بك وأتباعه والحكام وسافر سليمان كاشف البواب الى جهة رشيد وصحبته عساكر أيضاً.
وفي يوم الثلاثاء، عدى الكثير الى البر الشرقي.
وفي يوم الأربعاء خامس عشرينه، قدم جاويش الحجاج بمكاتيب العقبة وأخبروا بموت الكثير من الناس بالحمى والإسهال وحصل لهم تعب شديد من الغلاء أيضاً ذهاباً وإياباً ومات الشيخ أحمد العريشي الحنفي ودفن بنبط ومات أيضاً محمد أفندي باش جاجرت ودفن بالينبع والشيخ علي الخياط الشافعي.
وفيه، عدى ابراهيم بك الى قصر العيني وركب مع البرديسي الى جهة الحلي وودعه ورجع الى قصر العيني فأقام به وجلس ابنه مرزوق بك في مضرب النشاب واستمر وكيل الألفي مقيماً بقصر الجيزة.
وفيه، وردت الأخبار بأن محمد باشا لما ارتحل من المنصورة الى دمياط أبقى بفارسكور ابراهيم باشا ومملوكه سليم كاشف المنوفية بعدة من العسكر فتحصنوا بها فلما حضر رليهم حسن بك أخو طاهر باشا بالعساكر تحاربوا معهم وملكوا منهم فارسكور فنهبوها وأحرقوها وفسقوا بنسائها وفعلوا ما لا خير فيه قتل سليم كاشف المنوفية المذكور أيضاً ثم أن بعض أكابر العسكر المنهزمين أرسل الى حسن بك يطلب منه أماناً وكان ذلك خديعة منهم فأرسل لهم أماناً فحضروا إليه وانضموا لعسكره وسهلوا له أمر محمد باشا وأنه في قلة وضعف وهم مع ذلك يراسلون أصحابهم ويشيرون عليهم بالعود والتثبت الى أن عادوا وتأهبوا للحرب ثانياً وخرج إليهم حسن بك بعساكره وخلفه المنضافون إليه من أولئك، فلما أن نشبت الحرب بينهم أخذوهم مواسطة فأثخنوهم ووقعت فيهم مقتلة عظيمة وانهزموا الى فارسكور فتلقاهم أهل البلدة وكملوا قتلهم ونزلوا عليهم بالنبابيت والمساوق والحجارة جزاء لما فعلوه معهم حتى اشتفوا منهم، ولم ينج منهم إلا من كان في عزوة أو هرب الى جهة أخرى وحضر الكثير منهم الى مصر في أسوأ حال.
وفي يوم الجمعة والسبت، حضر الكثير من حجاج المغاربة وصحبتهم مصاروة وفلاحون كثيرة.
وفي حضرت مكاتبة من الديار الرومية على يد شخص يسمى صالح أفندي الى سكندرية فأرسل خورشيد أفندي حاكم الإسكندرية يستأذن في حضوره بمكاتبة على يد راشته قنصل النيمسا فذهب راشته الى ابراهيم بك وأخبره وأطلعه على المكتوب الذي حضر له فبعد ساعة وصل الخبر بوصول صالح أفندي المذكور الى بولاق فأرسل ابراهيم بك رضوان كتخدا وأحمد بك الأرنؤدي وأمرهما بأن يأخذا ما معه من الأوراق ويأمراه بالرجوع بغير مهلة ولا يدعاه يطلع الى البر ففعلا ذلك ومضمون ما في تلك الأوراق خطاب لطاهر باشا وأنه بلغنا ما حصل من محمد باشا من الجور والظلم وقطع علوفات العسكر وأنهم قاموا عليه وأخرجوه وهذه عادة العساكر إذا انقطعت علوفاتهم وأننا وجهنا له ولاية سنانيك وأن طاهر باشا يستمر على المحافظة وأحمد باشا قائمقام الى أن يأتي المتولي وخطاب لمحمد باشا بمعنى ذلك والسر في تقليد أحمد باشا قائمقام دون طاهر باشا أن طاهر باشا أرنؤد وليس له إلا طوخان ومن قواعدهم القديمة أنهم لا يقلدون الأرنؤد ثلاثة أطواخ أبداً.
وفي يوم السبت المذكور دخل الكثير من الحجاج آخر النهار وفي الليل.
وفي يوم الأحد، دخل الجم الغفير من الحجاج ومات الكثير من الداخلين في ذلك اليوم وكثير مرضى وحصل لهم مشقة عظيمة وشوب وغلاء وخصوصاً بعد مجاوزتهم العقبة وبلغت الشربة الماء ديناراً والبطيخة دينارين وكان حجاج كثير وأكثرهم أوباش الناس من الفلاحين والنساء وغير ذلك وخرج سليم آغا مستحفظان وصحبته جماعة من الانكشارية والكشاف والأجناد والعسكر فاستلموا المحمل من أمير الحاج وأمروه لا يدخل المدينة بل يقيم بالبركة حتى يحاسبوه ويسافر بمن معه من العسكر الى جهة الشام ثم رجعوا بالمحمل ودخلوا به المدينة وقت الظهر على خلاف العادة، وحضر صحبة الحجاج كثير من أهل مكة هروباً من الوهابي ولغط الناس في خبر الوهابي واختلفوا فيه فمنهم من يجعله خاريجاً وكافراً وهم المكيون ومن تابعهم وصدق أقوالهم ومنهم من يقول بخلاف ذلك لخلو غرضه وأرسل الى شيخ الركب المغربي كتاباً ومعه أوراق تتضمن دعوته وعقيدته وصورتها.
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمداً عبده ورسوله من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصي الله ورسوله فقد غوى ولا يضر إلا نفسه ولن يضر الله شيئاً وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد فقد قال الله تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وقال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}، وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} فأخبر سبحانه أنه أكمل الدين وأتمه على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم وأمرنا بلزوم ما أنزل إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف، وقال تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ}، وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا بأن أمته تأخذ مأخذ القرون قبلها شبراً بشبر وذراعاً بذراع وثبت في الصحيحين وغيرهما عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لتتبعن سنن من كان قبلكم حذواً القذة بالقذة حتى لو دخلوا حجر ضب لدخلتموه» قالوا يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: «فمن»، وأخبر في الحديث الآخر أن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة قالوا من هي يا رسول الله قال: «من كان على مثل ما أنا عليه اليوم وأصحابي» إذا عرف هذا فمعلوم ما قد عمت به البلوى من حوادث الأمور التي أعظمها الإشراك بالله والتوجه الى الموتى وسؤالهم النصر على الأعداء وقضاء الحاجات وتفريج الكربات التي لا يقدر عليها إلا رب الأرض والسموات وكذلك التقرب إليهم بالنذور وذبح القربان والاستغاثة بهم في كشف الشدائد وجلب الفوائد الى غير ذلك من أنواع العبادة التي لا تصلح إلا لله وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كصرف جميعها لأنه سبحانه وتعالى أغنى الأغنياء عن الشرك ولا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً، كما قال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}، فأخبر سبحانه أنه لا يرضى من الدين إلا ما كان خالصاً لوجهه وأخبر أن المشركين يدعون الملائكة والأنبياء والصالحين ليقربوهم الى الله زلفى ويشفعوا لهم عنده وأخبر أنه لا يهدي من هو كاذب كفار، وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} فأخبر أنه من جعل بينه وبين الله وسائط يسألهم الشفاعة فقد عبدهم وأشرك بهم وذلك أن الشفاعة كلها لله، كما قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}، وقال تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ}، وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} وهو سبحانه وتعالى لا يرضى إلا التوحيد، كما قال تعالى: {وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} فالشفاعة حق ولا تطلب في دار الدنيا إلا من الله، كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}، وقال تعالى: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو سيد الشفعاء وصاحب المقام المحمود وآدم، فمن دونه تحت لوائه لا يشفع إلا بإذن الله لا يشفع ابتداء بل يأتي فيخر لله ساجداً فيحمده بمحامد يعلمه إياها، ثم يقال ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع. ثم يحد له حداً فيدخلهم الجنة فكيف بغيره من الأنبياء والأولياء وهذا الذي ذكرناه لا يخالف فيه أحد من العلماء المسلمين بل قد أجمع عليه السلف الصالح من الأصحاب والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم ممن سلك سبيلهم ودرج على منهاجهم وأما ما حدث من سؤال الأنبياء والأولياء من الشفاعة بعد موتهم وتعظيم قبورهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها واتخاذها أعياداً وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحذر منها، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان» وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية وسد كل طريق يؤدي الى الشرك فنهى أن يجصص القبر وأن يبني عليه، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر وثبت فيه أيضاً أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه ولا تمثالاً إلا طمسه ولهذا ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القباب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر الى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف الصالح من الأمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}، فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قالتناه بالسيف والسنان، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}، وندعو الناس الى إقامة الصلوات في الجماعات الى الوجه المشروع وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر، كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}، فهذا هو الذي نعتقده وندين الله به، فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا وعليه ما علينا، ونعتقد أيضاً أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين للسنة لا تجتمع على ضلالة وأنه لاتزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك أقول إن كاد كذلك فهذا ما ندين الله به ونحن أيضاً وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان والحافظ المقريزي في تجريد التوحيد والإمام اليوسي في شرح الكبرى وشرح الحكم لابن عباد وكتاب جمع الفضائل وقمع الرذائل وكتاب مصايد الشيطان وغير ذلك انتهى. رهم ببناء القباب عليها وإسراجها والصلاة عندها واتخاذها أعياداً وجعل السدنة والنذور لها فكل ذلك من حوادث الأمور التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم أمته وحذر منها، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان» وهو صلى الله عليه وسلم حمى جناب التوحيد أعظم حماية وسد كل طريق يؤدي الى الشرك فنهى أن يجصص القبر وأن يبني عليه، كما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر وثبت فيه أيضاً أنه بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأمره أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه ولا تمثالاً إلا طمسه ولهذا ولهذا قال غير واحد من العلماء يجب هدم القباب المبنية على القبور لأنها أسست على معصية الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا هو الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر الى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم وهو الذي ندعو الناس إليه ونقاتلهم عليه بعدما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع السلف الصالح من الأمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}، فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قالتناه بالسيف والسنان، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}، وندعو الناس الى إقامة الصلوات في الجماعات الى الوجه المشروع وإيتاء الزكاة وصيام شهر رمضان وحج بيت الله الحرام ونأمر بالمعروف وننهي عن المنكر، كما قال تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} فهذا هو الذي نعتقده وندين الله به، فمن عمل بذلك فهو أخونا المسلم له ما لنا وعليه ما علينا، ونعتقد أيضاً أن أمة محمد صلى الله عليه وسلم المتبعين للسنة لا تجتمع على ضلالة وأنه لاتزال طائفة من أمته على الحق منصورة لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك أقول إن كاد كذلك فهذا ما ندين الله به ونحن أيضاً وهو خلاصة لباب التوحيد وما علينا من المارقين والمتعصبين وقد بسط الكلام في ذلك ابن القيم في كتابه إغاثة اللهفان والحافظ المقريزي في تجريد التوحيد والإمام اليوسي في شرح الكبرى وشرح الحكم لابن عباد وكتاب جمع الفضائل وقمع الرذائل وكتاب مصايد الشيطان وغير ذلك انتهى.
وفي ذلك اليوم، نودي على المتخلفين من الانكشارية بالسفر صحبة أمير الحاج وقبضوا على أنفار منهم وأخرجوهم ومنعوا أيضاً حجاج المغاربة من الدخول الى المدينة ومن دخل منهم لأجل حاجة فليدخل من غير سلاح فذهبوا الى بولاق وأقاموا هناك.
وفي يوم الإثنين، مر الوالي بناحية الجمالية فوجد إنساناً من أكابر غزة يسمى علي آغا شعبان حضر الى مصر من جملة من حضر مع العرضي وكان مهندساً في عمارة الباشا، ثم عين لسد ترعة الفرعونية لمعرفة بأمور الهندسة فوجده جالساً على دكان يتنزه حصة وفرسه وخدمه وقوف أمامه فطلبه وأمره بالركوب معه فركب وذهب صحبته فكان آخر العهد به وكان في جيبه ألف دينار ذهباً بإخبار أخيه خلاف الورق فأخذ ثيابه وفرسه وما معه وخنقه وأخفى أمره وأنكره وكان رجلاً لا بأس به.